فصل: 1285- بابُ مَا جاءَ في شَفَقَةِ المسلِمِ على المُسْلِم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1282- باب ماَ جاءَ فِي رَحْمَةِ الصبْيَان

جمع الصبي

1925- حَدّثنا محمدُ بنُ مَرْزوقٍ البَصْرِيّ حدثنا عُبَيْدُ بنُ وَاقِدٍ عن زَرْبِيٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسّعُوا لَهْ، فقالَ النبيُ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِناّ مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ولَمْ يُوَقّرْ كَبِيرَنَا‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وأَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عَباّسٍ وأَبيِ أُمَامَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، وزَرْبِيٌ لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ وغَيْرِهِ‏.‏

1926- حدّثنا أَبو بَكْرٍ محمدُ بنُ أَبَانَ حدثنا محمدُ بنُ فُضَيْلٍ عن محمدِ بنِ إسحاقَ عن عَمْرٍو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبيِه عن جَدّهِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا‏"‏ حدثنا هنّاد حدثنا عَبْدَة عَن محمد بن إسْحَاق نَحْوَه إلا أَنه قالَ وَيَعْرِفُ حَق كبِيرِنا‏.‏

1927- حدّثنا أَبو بَكْرٍ محمدُ بنُ أَبَانَ حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ عن شَرِيكٍ عن لَيْثٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيوقّرْ كَبِيرَنَا وَيأُمُرْ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وحَدِيثُ محمدِ بنِ إسحاقَ عن عَمْرٍو بنِ شُعَيْبٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو مِنْ غَيْرِ هذَا الوَجْهِ أيْضاً‏.‏ قالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِنّا يقول‏:‏ ليس من سنتنا، لَيْسَ مِنْ أَدَبِنَا‏"‏‏.‏ وقالَ عليّ بنُ المَدِينيّ قال يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏:‏ كانَ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ يُنْكِرُ هذا التّفْسِيرَ‏:‏ لَيْسَ مِنّا يَقول‏:‏ لَيْس قلنا مِنْ مِلّتِنَا‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا عبيد بن واقد‏)‏ القيسي أو الليثي أبو عباد، ضعيف من التاسعة ‏(‏عن زربى‏)‏ بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة، ثم تحتانية مشددة، ابن عبد الله الأزدي مولاهم أبي يحيى البصري ضعيف من الخامسة‏.‏

قوله ‏(‏ليس هنا‏)‏ قيل أي ليس على طريقتنا، وهو كناية عن التبرئة ويأتي تفسيره من الترمذي في آخر الباب ‏(‏من لم يرحم صغيرنا‏)‏ أي من لا يكون من أهل الرحمة لأطفالنا ‏(‏ولم يوقر‏)‏ من التوقير أي لم يعظم ‏(‏كبيرنا‏)‏ هو شامل للشاب والشيخ‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي في باب رحمة الولد ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏وأبي أمامة‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده ص 257 ج 5‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزربى له أحاديث مناكير عن أنس بن مالك وغيره‏)‏ وقال البخاري في حديثه نظر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويعرف شرف كبيرنا‏)‏ عطف على يرحم أي لم يعرف شرف كبيرنا سناً أو علماً، وفي بعض النسخ‏:‏ ولم يعرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر‏)‏ بالجزم في الأفعال الثلاثة عطف علي يرحم، أي ولم يوقر كبيرنا، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد ‏(‏وحديث محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب حديث حسن صحيح‏)‏ فإن قلت‏:‏ محمد بن إسحاق مدلس وقد رواه عن عمرو بن شعيب بالعنعنة فكيف صحح الترمذي حديثه‏.‏ لهذا قلت‏:‏ الظاهر أنه صححه بتعدد طرقه وشواهده‏.‏ وحديث عمرو بن شعيب هذا أخرجه أيضاً أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد والحاكم ‏(‏وقد روي عن عبد الله بن عمرو عن غير هذا الوجه أيضاً‏)‏ أخروجه أبو داود من طريق ابن أبي شيبة وابن السرح عن سفيان عن إبن أبي نجيح عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو‏.‏

‏(‏قال بعض أهل العلم‏:‏ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا إلخ‏)‏ تقدم الكلام مفصلاً في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ليس منا، في باب النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب من أبواب الجنائز‏.‏

1283- باب ما جاءَ في رَحْمَةِ النّاس

1928- حَدّثنا محمد بن بَشّار حدثنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ عن إسماعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ حدثنا قَيْس بنُ أبي حَازِمٍ حدثنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ لا يَرْحَمْ النّاسَ لاَ يَرْحَمُهُ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ قال وفي البابِ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ وأبي سَعِيدٍ وابنِ عُمَرَ وأَبي هُرَيْرَةَ وعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

1929- حدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبو دَاوُدَ أخبرنا شُعْبَةُ قالَ‏:‏ كَتَبَ بِهِ إِلَيّ منْصُورٌ وقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ‏:‏ سَمِعَ أَبَا عُثْمَانَ مَوْلَى المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏لا تُنْزَعُ الرّحْمَةُ إِلاّ مِنْ شَقِيّ‏.‏

قالَ أبو عُثْمَانَ الذي رَوَى عن أَبي هُرَيْرَةَ لا يُعْرَفُ اسْمَهُ، ويُقَالُ هُوَ وَالِدُ مُوسَى بنِ أبي عُثْمَانَ الذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو الزّنَادِ‏.‏ وقد رَوَى أَبُو الزّنَادِ عن مُوسَى بنِ أَبي عُثْمَانَ عن أَبيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ حَدِيثٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

1930- حدّثنا ابنُ أبِي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن أَبِي قَابُوسَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الرّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرّحْمَنُ‏.‏ ارْحَمُوا مَنْ في اْلأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السّماءِ‏.‏ الرّحِمُ شِجْنَةٌ مِنَ الرحمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ الله وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من لم يرحم الناس لا يرحمه الله‏)‏ وفي رواية البخاري‏.‏ من لا يرحم لا يرحم، ووقع عند الطبراني‏:‏ من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء‏.‏ وفي حديث الأشعث بن قيس عند الطبراني في الأوسط‏:‏ من لم يرحم المسلمين لم يرحمه الله‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر والبهائم والمملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف‏)‏ أخرجه الترمذي في باب قطيعة الرحم ‏(‏وأبي سعيد‏)‏ أخرجه الترمذي في باب الرياء والسمعة من أبواب الزهد ‏(‏وابن عمر‏)‏ أخرجه أحمد ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏وعبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه أيضاً الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتب به‏)‏ أي بالحديث ‏(‏إلى‏)‏ بتشديد الياء ‏(‏وقرأته عليه‏)‏ أي قرأت الحديث على منصور‏.‏ والمعنى أن منصوراً كتب الحديث إلى شعبة أولا، ثم لقيه شعبة وقرأ الحديث عليه ‏(‏سمع‏)‏ أي منصور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تنزع الرحمة‏)‏ بصيغة المجهول أي لا يسلب الشفقة على خلق الله، ومنهم نفسه التي هي أولى بالشفقة والمرحمة عليها من غيرها، بل فائدة شفقته على غيره راجعة إليها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم‏}‏ ‏(‏إلا من شقي‏)‏ قال الطيبي‏:‏ لأن الرحمة في الخلق رقة القلب، والرقة في القلب علامة الإيمان، فمن لا رقة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا يرزق الرقة شقي انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داود وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه‏.‏ قال المناوي‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو عثمان الذي روى عن أبي هريرة لا نعرف اسمه يقال هو والد موسى بن أبي عثمان إلخ‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أبو عثمان التبان مولى المغيرة بن شعبة قيل اسمه سعيد، وقيل عمران مقبول من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي قابوس‏)‏ غير منصرف للعجمة والعلمية‏.‏ قطع بهذا غير واحد ممن يعتمد عليه، كذا في مرقاة الصعود وأبو قابوس هذا هو مولى عبد الله بن عمرو بن العاص مقبول من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الراحمون‏)‏ لمن في الأرض من آدمى وحيوان محترم بنحو شفقة وإحسان ومواساة ‏(‏يرحمهم الرحمن‏)‏ أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم، والرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة، ‏"‏فإقامة الحدود والإنتقام لرحمة الله لا ينافي كل منهما الرحمة ‏(‏ارحموا من في الأرض‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أتي بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر، والناطق والبهم، والوحوش والطير انتهى‏.‏ وفيه إشارة إلى أن إيراد ‏"‏من‏"‏ لتغليب ذوي العقول لشرفهم على غيرهم أو للمشاكلة المقابلة بقوله ‏(‏يرحمكم من في السماء‏)‏ وهو مجزوم على جواب الأمر أي الله تعالى، وقيل المراد من سكن فيها وهم الملائكة فإنهم يستغفرون للمؤمنين، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم‏}‏، وفي السراج المنير‏.‏ وقد روي بلفظ‏:‏ ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء، والمراد بأهل السماء الملائكة، ومعنى رحمتهم لأهل الأرض دعائهم لهم بالرحمة والمغفرة كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏ويستغفرون لمن آمن ‏{‏الرحم شجنة‏}‏ بكسر المعجمة وسكون الجيم بعدها نون وجاء بضم أوله وفتحه رواية ولغة، وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة، والشجن بالتحريك واحد الشجون، وهي طرق الأودية، ومنه قولهم‏:‏ الحديث ذو شجون، أي يدخل بعضه في بعض ‏(‏من الرحمن‏)‏ أي أخذ اسمها من هذا الاسم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعاً‏:‏ أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي‏.‏ والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها، فالقاطع لها منقطع من رحمة الله تعالى‏.‏ وقال الإسماعيلي‏:‏ معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة، وليس معناه أنها من ذات الله، تعالى الله عن ذلك، ذكره الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره، والحديث أخرجه أحمد والحاكم أيضاً‏.‏

واعلم أن هذا الحديث هو الحديث المسلسل بالأولية‏.‏ قال ابن الصلاح في مقدمته‏:‏ فلما تسلم المسلسلات من ضعف، أعني في وصف التّسَلْسُل لا في أصل المتن، ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده، وذلك نقص فيه وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك انتهى‏.‏

1284- باب ما جَاءَ في النّصِيحَة

1931- حَدّثنا محمد بن بَشّار حدثنا صَفْوَانُ بنُ عيسَى عن محمدِ بنِ عَجْلاَنَ عن القَعْقَاعِ بنِ حَكِيمٍ عن أَبي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الدّينُ النّصِيحَةُ، ثَلاَثَ مِرَارٍ، قالُوا يا رسولَ الله‏:‏ لِمَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لله وَلِكِتَابِهِ وَلأَئِمّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامّتِهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن ابنِ عُمَر وَتَمِيمٍ الدّارِيّ وجَرِيرٍ وحَكِيمِ بنِ أَبِي يَزِيدَ عن أَبِيهِ وَثَوْبَانَ‏.‏

1932- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عن إسماعيلَ بنِ أَبيِ خَالِدٍ عن قَيْسِ بنِ أَبي حَازِمٍ عن جَريرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ ‏"‏بَايَعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم على إقَامِ الصّلاةِ وإِيتاءِ الزكاة والنّصْحِ لِكُلّ مُسْلِمِ‏"‏‏.‏ قالَ‏:‏ وهذا حديثٌ صَحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الدين النصيحة‏)‏ أي عماد الدين وقوامه هو النصيحة ‏(‏ثلاث مرار‏)‏ أي ذكرها ثلاثاً للتأكيد بها والاهتمام بشأنها ‏(‏قالوا‏)‏ أي الصحابة رضي الله عنهم ‏(‏لمن‏؟‏‏)‏ أي النصيحة لمن ‏(‏قال‏:‏ لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم‏)‏‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها‏.‏ وأصل النصح في اللغة الخلوص، ويقال نصحته ونصحت له‏.‏ ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه، ونصيحة رسوله التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ونصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا، ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم انتهى‏.‏ وقد بسط النووي في شرح هذا الحديث في شرح مسلم بسطاً حسناً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم من حديث تميم الداري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وتميم الداري وجرير وحكيم بن أبي يزيد عن أبيه وثوبان‏)‏‏.‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه البزار‏.‏ وأما حديث تميم الداري فأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود‏.‏ وأما حديث جرير فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث حكيم بن أبي يزيد عن أبيه فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث ثوبان فأخرجه الطبراني في الأوسط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على إقام الصلاة‏)‏ أي إقامتها وإدامتها، وحذف تاء الإقامة عند الإضافة للإطالة ‏(‏وإيتاء الزكاة‏)‏ أي إعطائها‏.‏ قال النووي إنما اقتصر على الصلاة والزكاة لكونهما أمي العبادات المالية والبدنية، وهما أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين وأظهرها انتهى‏.‏ لا يقال لعل غيرهما من الصوم والحج لم يكونا واجبين حينئذ لأنه أسلم عام توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏والنصح‏)‏ بضم فسكون أي وبالنصيحة ‏(‏لكل مسلم‏)‏ أي من خاصة المسلمين وعامتهم‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ ومما يتعلق بحديث جرير منقبة ومكرمة لجرير رواها الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده‏.‏ اختصارها أن جريراً أمر مولاه أن يشتري له فرساً بثلثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس‏:‏ فرسك خير من ثلثمائة درهم أتبيعه بأربعمائة‏؟‏ قال ذلك إليك يا أباعبد الله، فقال فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة، ثم لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحبه يرضى وجرير يقول فرسك خير إلى أن بلغ ثمان مائة درهم فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1285- بابُ مَا جاءَ في شَفَقَةِ المسلِمِ على المُسْلِم

1933- حَدّثنا عُبَيْدُ بِنُ أَسْبَاطِ بنِ محمدٍ القُرَشِيّ، حدثني أَبي عن هِشَامِ بنِ سَعْدٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن أَبِي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَخُونُهُ ولا يَكْذِبُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، كُلّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلَمِ حَرَامٌ‏:‏ عِرْضُهُ وَمَالُهُ ودَمُهُ، التّقْوَى هَهُنَا بِحَسْبِ امرئ مِنَ الشّرّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وفي الباب عن علي وأبي أيّوب

1934- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ وغَيْرُ وَاحِدٍ، قالُوا حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عن بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي بُرْدَةَ عن جَدّهِ أَبي بُرْدَةَ عن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيَانِ يَشُدّ بَعْضُهُ بَعْضاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1935- حدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله عن أَبيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ف ‏"‏إِنّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيِه، فإِنْ رَأَى بِهِ أَذىً فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ويَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله ضَعّفَهُ شُعْبَةُ‏.‏ قالَ‏:‏ وفي البابِ عن أَنَسٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المسلم أخو المسلم‏)‏ أي فليتعامل المسلمون فيما بينهم وليتعاشروا معاملة الإخوة، ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال ‏(‏لا يخونه‏)‏ من الخيانة خبر في معنى الأمر ‏(‏ولا يخذله‏)‏ بضم الذال المعجمة من الخذلان وهو ترك النصرة والإعانة‏.‏ قال النووي‏:‏ معناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي ‏(‏كل المسلم على المسلم حرام‏:‏ عرضه‏)‏ بكسر العين المهملة وسكون الراء‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره‏.‏ وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه، ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب‏.‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير انتهى‏.‏ ‏(‏التقوى ها هنا‏)‏ زاد في رواية مسلم‏:‏ ويشير إلى صدره‏.‏ قال في مجمع البحار‏:‏ أي لا يجوز تحقير المتقي من الشرك والمعاصي، والتقوى محله القلب يكون مخفياً عن الأعين فلا يحكم بعدمه لأحد حتى يحقره، أو يقال محل التقوى هو القلب، فمن كان في قلبه التقوى لا يحقر مسلماً، لأن المتقي لا يحقر مسلماً انتهى‏.‏ ‏(‏بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم‏)‏ أي حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق احتقار أخيه المسلم‏.‏ فقوله ‏"‏بحسب امرئ‏"‏ مبتدأ، وألباء فيه زائدة، وقوله ‏"‏أن يحتقر‏"‏ خبره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن‏)‏ التعريف للجنس والمراد بعض المؤمن للبعض ذكره الطيبي ‏(‏كالبنيان‏)‏ أي البيت المبني ‏(‏يشد بعضه‏)‏ أي بعض البنيان، والجملة حال أو صفة أو استئناف بيان لوجه الشبه، وهو الأظهر ‏(‏بعضاً‏)‏ قال الكرماني، نصب بعضاًبنزع الخافض، وقال غيره‏:‏ بل هو مفعول يشد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولكل وجه قال ابن بطال‏:‏ والمعاونة في أمور الاَخرة وكذا في اللأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها وقد ثبت حديث أبي هريرة‏:‏ والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه‏.‏ والحديث هكذا أخرجه الترمذي وغيره مختصراً، وزاد البخاري‏:‏ ثم شبك بين أصابعه إلخ‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هو بيان لوجه التشبيه أيضاً، أي يشد بعضهم بعضاً مثل هذا الشد انتهى‏.‏ وقال النووي‏:‏ هذا الحديث صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم بعضاً وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير أثم ولا مكروه، وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وأبي أيوب‏)‏ أما حديث علي فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أحدكم مرآة أخيه‏)‏ بكسر ميم ومد همز أي آلة لإراءة محاسن أخيه ومعايبه، لكن بينه وبينه، فإن النصيحة في الملأ فضيحة، وأيضاً هو يرى من أخيه ما لا يراه من نفسه كما يرسم في المرآة ما هو مختف عن صاحبه فيراه فيها أي إنما يعلم الشخص عيب نفسه بإعلام أخيه كما يعلم خلل وجهه بالنظر في المرآة ‏(‏فإن رأى‏)‏ أي أحدكم ‏(‏به‏)‏ أي بأخيه ‏(‏أذى‏)‏ أي عيباً مما يؤذيه أو يؤذي غيره ‏(‏فليمطه‏)‏ من الإماطة، والمعنى فليزل ذلك الأذى ‏(‏عنه‏)‏ أي عن أخيه إما بإعلامه حتى يتركه أو بالدعاء له حتى يرفع عنه، وحديث أبي هريرة هذا ضعيف لضعف يحيى بن عبيد الله‏.‏ وأخرج نحوه أبو داود من وجه آخر‏.‏ قال المنذري‏:‏ وفيه كثير بن زيد أبو محمد المدني مولى الإسلمتين‏.‏ قال ابن معين‏:‏ ليس بذلك القوي يكتب حديثه‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويحي بن عبيد الله ضعفه شعبة‏)‏ قال في التقريب‏:‏ يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي المدني متروك، وأفحش الحاكم فرماه بالوضع انتهى‏.‏ وقال الذهبي في الميزان في ترجمته‏:‏ قال شعبة‏:‏ رأيته يصلي صلاة لا يقيمها فتركت حديثه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه الطبراني في الأوسط والضياء بلفظ‏:‏ المؤمن مرآة المؤمن‏.‏ قال المناوي بإسناد حسن‏.‏

1286- باب ما جاءَ في السّتْرَةِ عَلَى المسلم

1936- حَدّثنا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطٍ بن محمد القُرَشِيّ، حدثنا أَبي، حدثنا الأَعْمَش، قالَ حُدّثْتُ عن أَبي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ نَفّسَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدّنْياَ نَفّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسّرَ على مُعْسِرٍ في الدّنْياَ يَسّرَ الله عَلَيْهِ في الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ، ومَنْ سَتَر على مُسْلِمٍ في الدّنْيَا سَتَرَ الله عَلَيْهِ في الدّنْياَ والاَخِرَةِ، والله في عَوْنِ العَبْدِ ما كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخيهِ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد رَوَى أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، هذا الحَدِيثَ عن الأَعْمَشِ عن أَبي صاَلِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ ولَمْ يَذْكُرُوا فيِه حُدّثتُ عن أَبي صَالحٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثت عن أبي صالح‏)‏ بصيغة المجهول، وهذا يدل على أن بين الأعمش وأبي صالح واسطة ولم يسمع هذا الحديث منه ولم يذكر من حدثه عنه‏.‏ وقد روى أبو عوانة وغير واحد هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما بينه الترمذي فما بعد، وهذا يدل على أن الأعمش سمع هذا الحديث من أبي صالح من غير واسطة فالتوفيق أن الأعمش رواه عنه بواسطة، ثم لقيه فسمعه منه من غير واسطة والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من نفس إلخ‏)‏ قد تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الستر على المسلم من أبواب الحدود، وفي عقد الترمذي هذا الباب هناك وإيراده هذا الحديث فيه ثم عقده ها هنا وإيراده فيه تكرار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

1287- باب ما جاءَ في الذّبّ عن عِرْضِ المسْلِم

في القاموس‏:‏ ذب عنه‏:‏ أي دفع عنه ومنع‏.‏

1937- حَدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ، أخبرنا ابنُ المُبَارَك عن أَبي بَكْرٍ النَهْشَلِيّ عن مرزُوقٍ أبي بَكْرٍ التّيْميّ عن أُمّ الدّرْداءِ عن أَبِي الدّرْدَاءِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ رَدّ عن عِرْضِ أَخِيهِ رَدّ الله عَنْ وَجْهِهِ النّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عن أَسمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكر الهشلي‏)‏ الكوفي صدوق رمي بالإرجاء من السابعة ‏(‏عن مرزوق أبي بكر التيمي‏)‏ مقبول من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من رد عن عرض أخيه‏)‏ أي منع غيبة عن أخيه ‏(‏رد الله عن وجهه النار‏)‏ أي صرف الله عن وجه الراد نار جهنم‏.‏ قال المناوي‏:‏ أي عن ذاته العذاب وخص الوجه لأن تعذيبه أنكى في الإيلام وأشد في الهوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أسماء بنت يزيد‏)‏ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار، كذا عزاه صاحب المشكاة إلى البيهقي‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ وفي التصحيح رواه الطبراني محيى السنة، وفي سنده ضعف‏:‏ وقال الحافظ المنذري في الترغيب‏:‏ رواه أحمد بسند حسن وابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهم‏:‏ نقله ميرك انتهى ما في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ ورواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ ولفظه‏:‏ من ذب عن أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وكان حقاً علينا نصر المؤمنين‏"‏‏.‏

1288- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ الْهجر للمسلم

بكسر الهاء وسكون الجيم وهي مفارقة كلام أخيه المؤمن مع تلاقيهما وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه عند الاجتماع‏.‏ وليس المراد بالهجر هنا مفارقة الوطن إلى غيره فإن هذه تقدم حكمها‏.‏

1938- حَدّثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ، حدثنا الزّهْرِيّ ح‏.‏ قالَ‏:‏ وحدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرحمنِ حدثنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن عَطاَءِ بنِ يَزِيدَ اللّيْثِيّ عن أَبي أَيّوبَ الأنصَارِيّ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لا يَحِلّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، يلْتَقِيَانِ فَيَصُدّ هذا ويَصُدّ هذا وَخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسّلامِ‏"‏ قالَ‏:‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ مسعودٍ وَأَنَسٍ وأَبي هُرَيْرَةَ وَهِشَامِ بنِ عامرٍ وأَبي هِنْدٍ الدّارِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل للمسلم أن يهجر‏)‏ بضم الجيم ‏(‏أخاه‏)‏ أي المسلم وهو أعم من أخوة القرابة والصحابة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وتخصيصه بالذكر إشعار بالعلية والمراد به أخوة الإسلام، ويفهم منه أنه إن خالف هذه الشريطة وقطع هذه الرابطة جاز هجرانه فوق ثلاثة انتهى‏.‏ قيل‏:‏ وفيه أنه حينئذ يجب هجرانهم ‏(‏فوق ثلاث‏)‏، وفي رواية الشيخين فوق ثلاث ليال والمراد بأيامها‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال العلماء‏:‏ في هذا حديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث، والثاني بمفهومه قالوا‏:‏ وإنما عفا عنها في الثلاث لأن الاَدمى مجبول من الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفا عن الهجر الثلاث ليذهب ذلك العارض‏.‏ وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجر الثلاثة، وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم هجرت عائشة ابن الزبير أكثر من ثلاثة أيام‏؟‏

قلت‏:‏ قد أجاب الطبري بأن المحرم إنما هو ترك السلام فقط، وأن الذي صدر من عائشة ليس فيه أنها امتنعت من السلام على ابن الزبير ولا من رد السلام عليه لما بدأها بالسلام، قال‏:‏ وكانت عائشة لا تأذن لأحد من الرجال أن يدخل عليها إلا بإذن، ومن دخل كان بينه وبينها حجاب إلا إن كان ذا محرم منها، ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها، فكانت في تلك المدة منعت ابن الزبير من الدخول عليها كذا قال‏:‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه لا فائدة للإطالة بها، والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رأت أن ابن الزبير ارتكب بما قال أمراً عظيماً وهو قوله‏:‏ لأحجرن عليها، فإن فيه تنقيصاً لقدرها، ونسبة لها إلى ارتكاب ما لا يجوز من التذبير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى، مع اتصاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه، ولم يكن أحد عندها في منزلته كما تقدم التصريح به في أوائل مناقب قريش، فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق، والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب، فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم، فعلى هذا يحمل ما صدر كثير عائشة‏.‏ وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهراً، وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضاً مع علمهم بالنهي عن المهاجرة اهـ‏.‏ ما في الفتح ‏(‏يلتقيان‏)‏ أي يتلاقيان ‏(‏فيصد هذا ويصد هذا‏)‏ قال النووي‏:‏ معنى يصد يعرض أي يوليه عرضه بضم العين وهو جانبه، والصد بضم الصاد، وهو أيضاً الجانب والناحية اهـ‏.‏ ‏(‏وخيرهما الذي يبدأ بالسلام‏)‏ أي هو أفضلهما‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجر ويرفع الإثم فيها ويزيله‏.‏ وقال أحمد وابن القاسم المالكي‏:‏ ترك الكلام إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجره‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجر فيه وجهان‏:‏ أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه، وأصحهما يزول لزوال الوحشة اهـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن مسعود‏)‏ أخرجه البزار ورواته‏.‏ رواه الصحيح‏.‏ قال المنذري في الترغيب ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه الترمذي في باب الحسد ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد ومسلم بلفظ‏:‏ لا هجرة بعد ثلاث، وأخرجه أبو داود والنسائي عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ‏(‏وهشام بن عامر‏)‏ أخرجه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح، وأبو يعلى الطبراني وابن حبان في صحيحه وأبو بكر بن أبي شيبة كذا في الترغيب ‏(‏وأبي هند الداري‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مالك والشيخان وأبو داود‏.‏

1289- باب ما جاءَ في مُواسَاةِ الأَخ

قال في القاموس‏:‏ آساه بماله مواساة أناله منه وجعله فيه أسوة أو لا يكون ذلك إلا من كفاف، فإن كان من فضلة فليس بمواساة1هـ‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ مواساة بمال وتن باكسى غموار كي كردن‏.‏ يقال آسيته بمالي وواسيته لغة ضعيفة فيه‏.‏

1939- حَدّثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ حدثنا حُمَيْدٌ عن أَنَسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا قَدِمَ عَبْدُ الرحمَنِ بنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ آخَى رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرّبيعِ، فقالَ لَهُ‏:‏ هَلُمّ أُقاَسِمْكَ مَالي نِصْفَيْنِ وَلِيَ امْرَأَتَانِ فَأُطَلّقُ إِحْدَاهُماَ فإِذَا انْقَضَتْ عِدّتُهَا فَتَزَوّجْهَا، فَقَالَ‏:‏ بَارَكَ الله لَكَ في أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلّوني على السّوق، فَدَلّوهُ عَلَى السّوقِ، فَمَا رَجَعَ يَوْمَئِذٍ إلاّ وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ أَقطٍ وَسَمْنٍ قد اسْتَفْضَلَهُ، فَرَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ وَضَر من صُفْرَةٍ، قالَ‏:‏ مَهْيَمْ، فقالَ‏:‏ تَزَوّجْتُ امْرَأةً مِنَ الأَنْصَارِ، فقالَ‏:‏ فَمَا أَصْدَقْتَهَا‏؟‏ قالَ‏:‏ نَوَاةً‏.‏ قال حُمَيْدٌ أَوْ قالَ‏:‏ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فقالَ‏:‏ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ قالَ أَحمدُ بنُ حَنْبَلٍ‏:‏ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ ثلاثةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ وقال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ‏.‏ سمعت إسحاقُ بنُ مَنْصُورٍ يذكر عنهما هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع‏)‏ أي جعل بينهما أخوة ‏(‏فقال‏)‏ أي سعد بن الربيع ‏(‏له‏)‏ أي لعبد الرحمن بن عوف ‏(‏هلم‏)‏ أي تعال، قال الخليل‏:‏ أصله لم من قولهم‏:‏ لمّ الله شعثه أي جمعه أراد لمّ نفسك إلينا، أي أقرب وها للتنبيه وحذفت ألفها وجعلا اسماً واحداً يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز وأهل نجد يعرفونها فيقولون للأثنين هلما، وللجمع هلموا وللمرأة هلمي، وللنساء هلممن، والأول أفصح، كذا في الصراح ‏(‏أقاسمك‏)‏ بالجزم جواب هلم ‏(‏قد استفضله‏)‏ قال في القاموس‏:‏ أفضلت منه الشيء واستفضلت بمعنى ‏(‏وعليه وضر صفرة‏)‏ بفتح الواو والضاد المعجمة وآخره راء هو في الأصل الأثر، والمراد بالصفر صفرة الخلوق، والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره ‏(‏فقال مهيم‏)‏ أي ما شأنك أو ما هذا وهي كلمة استفهام مبنية على السكون ‏(‏قال نواة‏)‏ بالنصب بتقدير الفعل أي أصدقتها نواة، ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي الذي أصدقها نواة ‏(‏قال حميد‏:‏ أو قال وزن نواة من ذهب‏)‏ هذا شك من حميد ‏(‏فقال أو لم ولو بشاة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ ليست لو هذه الامتناعية وإنما هي التي للتقليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد بن حنبل‏:‏ وزن نواة من ذهب وزن ثلاثة دراهم وثلث وقال إسحاق‏:‏ وزن نواة من ذهب وزن خمسة دراهم إلخ‏)‏ اختلف في المراد بقوله نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم، وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار‏.‏

ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معياراً لما يوزن به‏.‏

وقيل‏:‏ لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق، وجزم به الخطابي واختاره الأزهري‏.‏ ونقله عياض عن أكثر العلماء، ويؤيده أن في رواية للبيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة‏:‏ وزن نواة من ذهب قومت خمس دراهم‏.‏ وقيل‏:‏ وزنها من الذهب خمسة دراهم حكام ابن قتيبة وجزم به إبن فارس، وجعله البيضاوي الظاهر واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل ونصفاً، ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي‏:‏ قومت ثلاثة دراهم وثلثاً وإسناد ضعيف‏.‏ ولكن جزم به أحمد‏.‏ وعن بعض المالكية‏:‏ النواة عند أهل المدينة ربع دينار، ويؤيد هذا ما وقع عند الطبراني في الأوسط في آخر حديث أنس قال‏:‏ جاء وزنها ربع دينار، وقد قال الشافعي‏:‏ النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهماً فيكون خمسة دراهم، وكذا قال أبو عبيد‏:‏ أن عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية، وبه جزم أبو عوانة وآخرون كذا في الفتح‏.‏

1290- باب ما جاءَ في الغِيبَة

1940- حَدّثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ محمدٍ عن العَلاءِ بنِ عَبْدِ الرحمن عن أَبيه عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏قيلَ يا رسولَ الله ما الغِيبَةُ‏؟‏ قالَ‏:‏ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ‏.‏ قالَ‏:‏ أَرأَيْتَ إنْ كانَ فيهِ مَا أَقُولُ‏؟‏ قالَ‏:‏ إن كَانَ فِيه ما تَقُولُ فقد اغْتَبْتَهُ، وإِن لم يَكُنْ فيِه ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتّهُ‏"‏‏.‏ قال وفي البابِ عن أَبي بَرْزَةَ وابنِ عُمْرَ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال قيل يا رسول الله ما الغيبة‏؟‏‏)‏ بكسر الغين المعجمة ‏(‏قال ذكرك‏)‏ أي أيها المخاطب خطاباً عاماً ‏(‏أخاك‏)‏ أي المسلم ‏(‏بما يكره‏)‏ أي بما لو سمعه لكرهه‏.‏ قال النووي‏:‏ اعلم أن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في الناس حتى لا يسلم منها إلا القليل من الناس، وذكرك أخاك بما يكره عام سواء كان في بدنه أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه أو مشيه وحركته، وبشاشته وعبوسته وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزت أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك ونحو ذلك، وضابطه أن كل ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرمة، ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعرجاً أو مطأطأ أو على غير ذلك من الهيئات مريد حكاية هيئة من ينقصه بذلك ‏(‏قال أرأيت‏)‏ أي أخبرني ‏(‏إن كان فيه‏)‏ أي في الأخ ‏(‏ما أقول‏)‏ من المنقصة، والمعنى‏.‏ أيكون حينئذ ذكره بها أيضاً غيبة كما هو المتبادر من عموم ذكره بما يكره ‏(‏قال‏:‏ إن كان فيه ما تقول‏)‏ أي من العيب ‏(‏فقد اغتبته‏)‏ أي لا معنى للغيبة إلا هذا وهو أن تكون المنقصة فيه ‏(‏وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته‏)‏ بفتح الهاء المخففة وتشديد التاء على الخطاب أي قلت عليه البهتان وهو كذب عظيم يبهت فيه من يقال في حقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي البابن أبي برزة وابن عمر وعبد الله بن عمرو‏)‏ وأما حديث أبي برزة فأخرجه أحمد في مسنده ص 421 ج 4‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد، كذا في الترغيب‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الأصبهاني‏:‏ قال المنذري بإسناد حسن من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقالوا لا يأكل حتى يطعم، ولا يرحل حتى يرحل له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اغتبتموه، فقالوا يا رسول الله إنما حدثنا بما فيه، قال حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه

‏.‏

1291- باب ما جاءَ في الْحَسَد

وهو تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أولاً، فإن سعى كان باغياً، وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد اسباب الكراهة التي نهي المسلم عنها في حق المسلم نظر، فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور، وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهداتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها‏.‏ وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن علية رفعه‏:‏ ثلاث لا يسلم منها أحد‏:‏ الطيرة والظن والحسد، قيل فما المخرج منها يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ‏.‏ وعن الحسن البصري قال‏:‏ ما من آدمي إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء، كذا في فتح الباري‏.‏

1941- حَدّثنا عَبْدُ الجَبّارِ بنُ العلاَءِ العَطّارُ وسَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، قالا حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تَقَاطَعُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسدُوا، وكُونُوا عِبَادَ الله إخْوَاناً، وَلاَ يَحِلّ لِلْمُسْلِم أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن أَبي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَالزّبَيْرِ بنِ العَوّامِ وابنِ مَسْعُودٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

1942- حدّثنا ابنُ أَبيِ عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ حدثنا الزّهْرِيّ عن سَالمٍ عن أبيِه قالَ‏:‏ قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ‏:‏ رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هذَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تقاطعوا‏)‏ أي يقاطع بعضكم بعضاً، والتقاطع ضد التواصل ‏(‏ولا تدابروا‏)‏ قال الخطابي‏:‏ لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه، مأخوذ من تولية الرجل الاَخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ قيل للإعراض مدابرة لأن من أبغض أعرض، ومن أعرض ولي دبره، والمحب بالعكس انتهى‏.‏ ‏(‏ولا تباغضوا‏)‏ أي لا تتعاطوا أسباب البغض، لأن البغض لا يكتسب ابتداء ‏(‏ولا تحاسدوا‏)‏ أي لا يتمنى بعضكم زوال نعمة بعض، سواء أرادها لنفسه أو لا ‏(‏وكونوا عباد الله إخواناً‏)‏ أي يا عباد الله بحذف حرف النداء، وفيه إشارة إلى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بذلك، وقيل قوله عباد الله خبر لقوله كونوا، وإخواناً خبر ثان له‏.‏ قال الفرطبي‏:‏ المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة ‏(‏ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث‏)‏ تقدم شرحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وأخرجه مسلم أخصر منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكر الصديق الزبير بن العوام وابن عمر وابن مسعود وأبي هريرة‏)‏ أما حديث أبي بكر الصديق فأخرجه أحمد في مسنده ص 3 ج 1‏.‏ وأما حديث الزبير بن العوام فأخرجه أحمد والترمذي والبزار بإسناد جيد والبيهقي‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏ وأما حديث ابن مسعود، فأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏ وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه مالك والشيخان وأبو داود وأخرجه الترمذي مختصراً في باب ظن السوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا حسد‏)‏ قال العلماء‏:‏ الحسد قسمان‏:‏ حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة، وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التى على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانب مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة‏.‏ والمراد بالحسد في هذا الحديث معناه المجازي أي لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما ‏(‏إلا في اثنتين‏)‏ بتاء التأنيث أي لا حسد محموداً في شيء إلا في خصلتين، وعلى هذا فقوله ‏(‏رجل‏)‏ بالرفع، والتقدير خصلة رجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ‏(‏آتاه الله‏)‏ بالمد في أوله أي أعطاه الله من الإيتاء وهو الإعطاء ‏(‏مالا‏)‏ نكرة ليشمل والقليل والكثير ‏(‏فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار‏)‏ قال النووي‏:‏ أي ساعاته وواحدة إنا وأنا وإني وإنو أربع لغات انتهي‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ آناء الليل ساعاته واحدها إني مثل معي وأمعاء، وإني وأنو أيضاً، يقال مضى إنوان وإنيان من الليل انتهى‏.‏ ‏(‏فهو يقوم به‏)‏ المراد بالقيام به العمل مطلقاً أعم من تلاوته داخل الصلاة أو خارجها من تعليمه والحكم والفتوى بمقتضاه‏.‏ ولأحمد من حديث يزيد بن الأخنس السلمي‏:‏ رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ويتبع ما فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي عن ابن مسعود‏)‏ أخرج روايته البخاري في العلم وفي الزكاة وفي الأحكام وفي الاعتصام، ومسلم في الصلاة والنسائي في العلم، وابن ماجة في الزهد ‏(‏وأبي هريرة إلخ‏)‏ أخرج روايته البخاري في فضائل القرآن والنسائي‏.‏

1292- باب ما جاءَ في التّبَاغُض

1943- حَدّثنا هَنّادٌ حدثنا أَبو مُعَاوِيةَ عن الأعمش عن أَبي سُفْيَانَ عن جَابِرٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الشّيطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المُصَلّونَ وَلَكِنْ في التَحْرِيشِ بَيْنَهُمْ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن أَنَسِ وَسُلَيْمَانَ بن عَمْرٍو بن الأحْوَصِ عن أبيهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وأبو سُفْيَانَ اسْمُهُ طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الشيطان‏)‏ يحتمل الجنس والأظهر أن المراد به إبليس رئيسهم ‏(‏قد أيس‏)‏ قال في القاموس‏:‏ أيس منه كسمع إياساً قنط انتهى‏.‏ أي يئس وصار محروماً ‏(‏أن يعبده المصلون‏)‏ أي من أن يعبده المؤمنون، وزاد في رواية مسلم‏:‏ في جزيرة العرب قال القاري في المرقاة‏:‏ اختصر القاضي كلام الشراح‏.‏ وقال عبادة الشيطان عبادة الصنم لأنه الاَمر به والداعي إليه بدليل قوله‏:‏ يا أبت لا تعبد الشيطان والمراد بالمصلين المؤمنون كما في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ نهيتكم عن قتل المصلين‏.‏ سموا بذلك لأن الصلاة أشرف الأعمال وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان‏.‏ ومعنى الحديث أيس من أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويريد إلى شركه في جزيرة العرب، ولا يرد على ذلك ارتداد أصحاب مسيلمة ومانعي الزكاة وغيرهم ممن ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يعبدوا الصنم انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ وفيه أن دعوة الشيطان عامة إلى أنواع الكفر غير مختص بعبادة الصنم، فالأولى أن يقال‏:‏ المراد أن المصلين لا يجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلته اليهود والنصارى انتهى ‏(‏ولكن في التحريش‏)‏ خبر لمبتدأ محذوف أي هو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش ‏(‏بينهم‏)‏ أي في إغراء بعضهم على بعض والتحري بالشر بين الناس من قتل وخصومة‏.‏ والمعنى لكن الشيطان غير آيس من إغراء المؤمنين وحملهم على الفتن بل له هو مطمع في ذلك‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث من المعجزات النبوية، ومعناه آيس أن يعبده أهل جزيرة العرب‏.‏ ولكنه يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه الترمذي في الباب الذي قبله ‏(‏وسليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم‏.‏

1293- باب ما جاءَ في إِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْن

قال في المجمع‏:‏ ذات الشيء نفسه وحقيقته، والمراد ما أضيف إليه، ومنه إصلاح ذات البين أي إصلاح أحوال بينكم حتى يكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق كعليم بذات الصدور أي بمضمراتها، لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين، وإصلاحها سبب الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين فهو درجة فوق درجة من اشتغل بخويصة نفسه بالصيام والصلاة فرضاً ونفلا انتهى‏.‏

1944- حَدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أَبو أَحمدَ الزّبيري حدثنا سُفْيَانُ قالَ‏:‏ وحدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا بِشْرُ بنُ السّرِيّ وَ أَبُو أحمدَ قالا‏:‏ حدثنا سُفْيَانُ عن عَبْد الله بن عُثمان بنِ خُثَيْمٍ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أَسْمَاءَ بنْتِ يَزِيدَ قَالتْ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَحِلّ الكَذِبُ إِلاّ في ثَلاَث‏:‏ يُحَدّثُ الرّجُلُ امْرَأَتَهُ ليُرْضِيَهَا، والكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النّاسِ‏"‏‏.‏

وقال محمودٌ فِي حَدِيِثهِ‏:‏ ‏"‏لا يَصْلُحُ الكَذِبُ إِلاَ فِي ثَلاَثٍ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ، إِلاَ مِنْ حَدِيث ابنِ خُثَيْمٍ‏.‏ ورَوَى دَاودُ بنُ أَبِي هِنْدٍ هذا الْحَدِيثَ عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيه عن أَسْمَاءَ‏.‏ حدثنا بذَلكَ محمدُ بن العلاء حدثنا ابنُ أَبِي زَائِدَةَ عن دَاودَ وفي البابِ عن أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ‏.‏

1945- حدّثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرحمنِ عن أُمّهِ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قالَتْ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏لَيْسَ بالكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النّاسِ فقالَ خَيْراً، أو نمَا خَيْراً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بن خثيم‏)‏ بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة مصغراً، هو عبد الله ابن عثمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحدث الرجل امرأته ليرضيها‏)‏ قال القاري‏:‏ حذف قرينته للاكتفاء أو للمقايسة أو وقع اختصاراً من الراوي انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وقع في حديث أم كلثوم عند مسلم قالت‏:‏ ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث‏:‏ الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال القاضي‏:‏ لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور‏.‏ واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو‏؟‏ فقالت طائفة‏:‏ هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم‏:‏ بل فعله كبيرهم، وإني سقيم‏.‏ وقوله‏:‏ إنها أختي، وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أيتها العير إنكم لسارقون‏"‏ قالوا‏:‏ ولا خلاف أنه قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو‏.‏ وقال آخرون منهم الطبري‏:‏ لا يجوز الكذب في شيء أصلا، قالوا‏:‏ وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب، مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها أو يكسوها كذا، وينوي إن قدر الله ذلك‏.‏ وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه، وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاماً جميلاً، ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى‏.‏ وكذا في الحرب بأن يقول لعدوّه مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية، أو غداً يأتينا مدد أي طعام أو نحو هذا من المعاريض المباحة، فكل هذا جائز‏.‏ وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض‏.‏ وأما كذبه لزوجته وكذبها له، فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم، ونحو ذلك‏.‏ فأما المخادعة في منع حق عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين، انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكر رضي الله عنه‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن عبد الرحمن‏)‏ بن عوف الزهوي المدني ‏(‏عن أمه أم كلثوم بنت عقبة‏)‏ بن أبي معيط الأموية أسلمت قديماً، وهي أخت عثمان لأمه صحابية لها أحاديث ماتت في خلافة علي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس بالكاذب من أصلح بين الناس‏)‏ أي ليس بالكاذب المذموم من أصلح بين الناس بل هذا محسن ‏(‏فقال خيراً‏)‏ أي قولا متضمناً للخير دون الشر بأن يقول للإصلاح مثلا بين زيد وعمرو‏:‏ يا عمرو يسلم عليك زيد ويمدحك ويقول أنا أحبه، وكذلك يجيء إلى زيد ويبلغ من عمرو مثل ما سبق ‏(‏أو نمى خيراً‏)‏ شك من الراوي قال الجزري في النهاية‏:‏ يقال نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد، هكذا قال أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء‏.‏ وقال الحربي‏:‏ نمى مشددة وأكثر المحدثين يقولونها مخففة وهذا لا يجوز، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن‏.‏ ومن خفف لزمه أن يقول خير بالرفع قال الجزري‏:‏ وهذا ليس بشيء فإنه ينتصب بنمى كما انتصب بقال، وكلاهما على زعمه لازمان وإنما نمى متعد، يقال نميت الحديث أي رفعته وأبلغته انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

1294- باب ما جاءَ في الْخِيَانَةِ وَالغِش

قال في القاموس‏:‏ غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر كغششه، والغش بالكسر الاسم منه والغل والحقد وانتهى‏.‏

1946- حَدّثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ عن محمدٍ بنِ يَحْيى بنِ حَبّانَ عن لُؤْلُؤةَ عن أَبي صِرْمَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ ضَارّ ضَارّ الله به، وَمَنْ شَاقّ شَاقّ الله عليه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غَريبٌ‏.‏

1947- حدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا زَيْدُ بنُ الحُبَابٍ العُكْلِيّ، حدثني أَبُو سَلَمَةَ الكِنْدِيّ، حدثنا فَرْقَدُ السّبَخِيّ عن مُرّةَ بنِ شَرَاحِيلَ الهمْدَانِيّ وَهُوَ الطّيّبُ عن أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَلْعُونٌ مَنْ ضَارّ مُؤْمِناً أَو مَكَرَ بِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن لؤلؤة‏)‏ مولاة الأنصار مقبولة من الرابعة ‏(‏عن أبي صرمة‏)‏ بكسر الصاد المهملة وسكون الراء المازني الأنصاري صحابي اسمه مالك بن قيس، وقيل قيس بن صرمة وكان شاعراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ضار‏)‏ بشد الراء أي أوصل ضرراً إلى مسلم ‏(‏ضار الله به‏)‏ أي أوقع به الضرر البالغ ‏(‏ومن شاق‏)‏ بشد القاف أي أوصل مشقة إلى أحد بمحاربة وغيرها ‏(‏شق الله عليه‏)‏ أي أدخل عليه ما يشق عليه، قيل إن الضرر والمشقة متقاربان لكن الضرر يستعمل في إتلاف المال والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن كتكليف عمل شاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكر‏)‏ أخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو سلمة الكندي‏)‏ مجهول من السابعة ‏(‏عن مرة بن شراحيل الهمداني وهو الطيب‏)‏ قال في التقريب‏:‏ مرة بن شراحيل الهمداني أبو إسماعيل الكوفي هو الذي يقال له مرة الطيب، ثقة عابد من الثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ملعون‏)‏ أي مبعد من رحمة الله ‏(‏من ضار مؤمناً‏)‏ أي ضرراً ظاهراً ‏(‏أو مكر به‏)‏ أي بإيصال الضرر إليه خفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده أبو سلمة الكندي وهو مجهول كما عرفت آنفاً‏.‏

1295- باب ما جاءَ في حَقّ الْجِوَار

قال في الصراح‏:‏ جوار بالكسر والضم، والكسر أفصح همساً بكى كردن‏.‏

1948- حَدّثنا محمدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حدثنا سُفْيَانُ بن عيينة عن دَاودَ بنِ شَابُورَ وبَشِيرٍ أَبي إسماعيلَ عن مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنّ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ في أَهْلِهِ فلما جَاءَ قالَ‏:‏ أَهْدَيْتُمْ لجَارِنَا اليَهُودِيّ‏؟‏ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيّ‏؟‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏مَا زَالَ جِبْرَيلُ يُوصِينِي بالجَارِ حتى ظَنَنْتُ أَنّهُ سَيُوَرّثُهُ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن عَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَأَنَس وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو والمِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وَأَبي شُرَيْحٍ وَأَبي أُمَامَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِن هذَا الوَجْهِ‏.‏ وقد رُوِيَ هذَا الحَدِيثُ عن مُجاهِدٍ عن عَائِشَةَ وَأَبي هُرَيْرَةَ أَيْضاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

1949- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ بنُ سَعْد عن يَحْيَى بنِ سَعِيد عن أَبي بَكْرِ بنِ محمدٍ، وَهُوَ ابنُ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏ما زَال جِبْرَئِيلُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ يُوصِيني بالجَارِ حَتّى ظَنَنْتُ أَنّهُ سَيُوَرّثهُ‏"‏‏.‏

1950- حدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ عن حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ عن شُرَحْبِيلَ بنِ شَرِيكٍ عن أَبي عَبْدِ الرحْمَنِ الحُبُلِيّ عن عَبْدِ الله ابن عَمْرٍو قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ الله خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيرُ الجِيرَانِ عِنْدَ الله خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَأَبو عَبْدِ الرحمنِ الحُبلِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله ابنُ يَزِيدَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن داود بن شابور‏)‏ بالمعجمة والموحدة أبي سليمان المكي، وقيل إن اسم أبيه عبد الرحمن وشابور جده، ثقة من السابعة، روى عن سويد بن حجير وطاوس وغيرهما، وعنه شعبة وابن عيينة وثقه أبو زرعة الرازي وابن معين ‏(‏وبشير أبي إسماعيل‏)‏ هو ابن سليمان الكندي الكوفي والد الحكم، ثقة يغرب من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهديتم‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام ‏(‏ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه‏)‏ أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره‏.‏ واختلف في المراد بهذا التوريث فقيل يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب، وقيل المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة، والأول أظهر فإن الثاني استمر، والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع‏.‏ ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ‏:‏ حتى ظننت أنه يجعل له ميراثاً‏.‏ واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب والبلدي، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب داراً والأبعد، وله مراتب بعضه أعلى من بعض فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيعطى كل حقه بحسب حاله‏.‏ وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجع أو يساوي‏.‏ وقد حمله عبد الله بن عمرو الراوي على العموم، فإنه أمر لما ذبحت له شاة أن يهدي منها لجاره اليهودي‏.‏ وقد أخرج الطبراني من حديث جابر مرفوعاً‏:‏ الجيران ثلاثة‏:‏ جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجواز وحق الإسلام وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم، هذا تلخيص ما في فتح الباري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة وابن عباس الخ‏)‏ أما حديث عائشة فأخرجه البخاري ومسلم عنها وعن ابن عمر قالا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه وأخرجه الترمذي عن عائشة وحدها‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني وأبو يعلى عنه مرفوعاً‏:‏ ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع‏.‏ قال المنذري‏:‏ رواته ثقات‏.‏ وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أحمد عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ أول خصمين يوم القيامة جاران‏.‏ قال المنذري‏:‏ ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم عنه مرفوعاً‏:‏ من كان يؤمن بالله وباليوم الاَخر فلا يؤذي جاره، الحديث‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه مسلم عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو لأخيه ما يحب لنفسه‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث المقداد فأخرجه أحمد وفيه‏:‏ لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره الحديث‏.‏ قال المنذري رواته ثقات‏.‏ وأما حديث أبي شريح فأخرجه البخاري عنه مرفوعاً‏:‏ والله لا يؤمن‏.‏ والله لا يؤمن، قيل‏:‏ ومن يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ الذي لا يأمن جاره بواثقه‏.‏ وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته الجدعاء في حجة الوداع يقول‏:‏ أوصيكم بالجار حتى أكثر، فقلت إنه يورثه‏.‏ قال المنذري‏:‏ إسناده جيد ورواته رواة الصحيح انتهى‏.‏ وفي الباب أحاديث كثيرة ذكرها الحافظ المنذري في كتابه الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏‏.‏ وأخرجه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد ‏(‏وقد روي هذا الحديث عن مجاهد عن عائشة وأبي هريرة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال المنذري‏:‏ قد روي هذا المتن من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري ‏(‏عن أبي بكر بن محمد وهو ابن عمرو بن حزم‏)‏ الأنصاري البخاري المدني القاضي اسمه وكنيته واحد ثقة عابد من رجال الكتب السنة ‏(‏عن عمرة‏)‏ بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة، ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلوات الله عليهما‏)‏ ضمير التثنية راجع إلى رسول الله وإلى جبرئيل صلوات الله عليهما والسلام ‏(‏يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه‏)‏ تقدم شرحه وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير الأصحاب عند الله‏)‏ أي أكثرهم ثواباً عنده ‏(‏خيرهم لصاحبه‏)‏ أي أكثرهم إحساناً إليه ولو بالنصيحة ‏(‏وخير الجييران عند الله خيرهم لجاره‏)‏، أي ولو برفع الأذى عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال على شرط مسلم كذا في الترغيب‏.‏

1296- باب ما جاءَ في الإِحسان إلى الْخَادَم

1951- حَدّثنا بُنْدَارٌ، حدثنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ مَهدِيٍ، حدثنا سُفْيَانُ عن وَاصِلٍ عن المَعرُورِ بنِ سُوَيْدٍ عن أَبي ذَرٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ الله فِتْيَةً تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ وَلا يُكَلّفْهُ ما يَغْلِبُهُ، فإن كَلّفَهُ ما يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن عَلِيّ وَأُمّ سَلَمَةَ وَابنِ عُمرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1952- حدّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَزيِدُ بنُ هَارُونَ عن هَمّامِ بنِ يَحْيَى عن فَرْقَدٍ السبخي عن مُرّةَ عن أَبي بَكرٍ الصّدّيقِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ سَيّءُ الْمَلَكَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

وقد تَكَلّمَ أَيّوبُ السّخْتِيَانيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ في فَرْقَد السّبَخِيّ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إخوانكم‏)‏ أي خولكم كما في رواية، وفي رواية هم إخوانكم، والمعنى هم مماليككم قاله القاري‏.‏ وفي رواية للبخاري في كتاب الإيمان‏:‏ إخوانكم خولكم‏.‏ قال القسطلاني‏:‏ بفتح أوله المعجم والواو، أي خدمكم أو عبيدكم الذين يتخولون الأمور أي يصلحونها انتهى‏.‏ ‏(‏جعلهم الله فتية‏)‏ بكسر الفاء وسكون الفوقية بعدها تحتية مفتوحة جمع فتى أي غلمة، وفي النسخة المصرية قنية بالقاف والنون أي ملكا لكم‏.‏ قال في القاموس‏:‏ القنية بالكسر والضم ما اكتسب ‏(‏تحت أيديكم‏)‏ مجاز عن القدرة أو الملك ‏(‏فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه‏)‏ قال النووي‏:‏ الأمر بإطعاهم من طعامه، وإلباسهم من لباسه، محمول على الاستحباب‏.‏ ويجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص، سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيراً خارجاً عن عادة أمثاله، إما زهداً أو شحاً لا يحل تقتيره على المملوك وإلزامه بموافقته إلا برضاه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال النووي، ففي الموطأ ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق، وهو يقتضي الرد إلى العرف فمن زاد عليه كان متطوعاً ‏(‏ولا يكلفه‏)‏ من العمل ‏(‏ما يغلبه‏)‏ أي ما يعجز عنه لصعوبته ‏(‏فإن كلفه ما يغلبه فليعنه‏)‏ من الإعانة أي بنفسه أو بغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وأم سلمة وابن عمر وأبي هريرة‏)‏، أما حديث علي فأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏ وأما حديث أم سلمة فأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان يقول في مرضه الصلاة وما ملكت أيمانكم كذا في المشكاة‏.‏ وفيه وروى أحمد وأبو داود عن علي نحوه‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني بنحو حديث أم سلمة، ففي الجامع الصغير للسيوطي‏:‏ الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة وما ملكت أيمانكم، حم ن ه حب عن أنس حم ه عن أم سلمة طب عن ابن عمر انتهى‏.‏ يعني أخرجه أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أنس، وأحمد في مسنده، وابن ماجة عن أم سلمة، والطبراني عن ابن عمر‏.‏ قال المناوي في التيسير في شرح الجامع الصغير‏:‏ بأسانيد صحيحة وأما حديث أبي هريرة فتقدم تخريجه آنفا‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏عن فرقد‏)‏ بن يعقوب السبخي بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة البصري صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏لا يدخل الجنة سيء الملكة‏"‏ بفتح الميم واللام بمعنى الملك، يقال ملكه يملكه ملكا مثلثة وملكة محركة ومملكة بضم اللام أو يثلث كذا في القاموس وقال الجزري في النهاية‏:‏ يقال فلان حسن الملكة إذا كان حسن الصنيع إلى مماليكه وسيء الملكة أي الذي يسيء صحبة المماليك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة ‏(‏وقد تكلم غير واحد في فرقد السبخي قبل حفظه‏)‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ قال أبو حاتم‏:‏ ليس بقوي‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ ثقة‏.‏ وقال البخاري‏:‏ في حديثه مناكير‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة‏.‏ وقال أيضاً هو والدارقطني‏:‏ ضعيف‏.‏ وقال يحيى القطان‏:‏ ما يعجبني الرواية عن فرقد انتهى‏.‏

1297- باب النّهْي عن ضَرْبِ الخُدّامِ وَشَتْمِهِمْ

1953- حَدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المبَارَكِ عن فُضَيْلِ بنِ غَزْوانَ عن ابنِ أَبي نُعْمٍ عنرج أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم نَبِيّ التّوْبَةِ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بريئاً مِمّا قالَ لَهُ، أَقامَ الله عَلَيْهِ الحَدّ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وفي البابِ عن سُوَيْدِ بنِ مُقَرّنٍ وَعَبْدِ الله بنِ عُمرَ وابنُ أَبي نُعْمٍ هُوَ عَبْدُ الرحمنِ بنُ أَبي نُعْمٍ البَجَلِيّ يُكْنَى أَبَا الحَكَمِ‏.‏

1954- حدّثنا محمودُ بنُ غَيلاَنَ، حدثنا مُؤَمّلٌ، حدثنا سُفْيَانُ عن الأَعْمَشِ عن إبراهيمَ التّيْميّ عن أبيه عن أبي مسعود الأنصاري قالَ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ أضْرِبُ مَمْلوكاً لي فَسَمعْتُ قائِلاً مِنْ خَلْفِي يقول‏:‏ احْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ احْلَمْ أبَا مَسْعُودٍ فَالتَفَتّ فإذَا أَنَا بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لله أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏ قالَ أَبُو مَسْعُودٍ‏:‏ فَمَا ضَرَبْتُ ممْلُوكاً لِي بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وإبراهيمُ التّيْمِيّ هُوَ إبراهيمُ بنُ يَزِيدَ بنِ شَرِيكٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد‏)‏ بن موسى المروزي أبو عباس السمسمار مردوية الحافظ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك ‏(‏عن فضيل بن غزوان‏)‏ ابن جرير الضبي الكوفي وثقه ابن معين ‏(‏عن ابن أبي نعم‏)‏ بضم النون وسكون العين المهملة وقد بين الترمذي اسمه فيما بعد، وهو صدوق عابد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نبي التوبة‏)‏ بدل من قوله أبو القاسم‏.‏ قال في مجمع البحار‏:‏ نبي التوبة لأنه تواب يستغفر كل يوم سبعين أو مائة‏.‏ وقال فيه أيضاً‏:‏ نبي التوبة والرحم أي جاء بقبولها بالقول والاعتقاد‏.‏ لا يقتل الأنفس، وجاء بالتراحم نحو رحماء بينهم انتهى ‏(‏من قذف مملوكه‏)‏ أي رماه بالزنا ‏(‏بريئاً مما قال له‏)‏ أي والحال أن مملوكه بريء مما قال سيده‏.‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ وهو بريء مما قال ‏(‏أقام الله عليه‏)‏ أي على السيد القاذف ‏(‏الحد يوم القيامة‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ جلد يوم القيامة ‏(‏إلا أن يكون كما قال‏)‏ أي أن يكون العبد كما قال السيد في الواقع ولم يكن بريئاً فإن لا يقيم الله عليه الحد لكونه صادقاً في نفس الأمر، وهو تصريح بما علم ضمناً وهو استثناء منقطع‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا، وهذا مجمع عليه، ولكن يعزر قاذفه لأن العبد ليس بمحصن سواء فيه من هو كامل الرق أو فيه شائبة الحرية والمدير والمكاتب وأم الوالد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سويد بن مقرن وعبد الله بن عمر‏)‏ وأما حديث سويد بن مقرن فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه مسلم عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مؤمل‏)‏ بن إسماعيل العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري روى عن شعبة والثوري وجماعة وعنه أحمد وإسحاق وطائفة وثقه ابن معين، وقال البخاري‏:‏ منكر الحديث، كذا في الخلاصة وقال الحافظ‏:‏ صدوق سيء الحفظ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبا مسعود‏)‏ أي يا أبا مسعود ‏(‏لله‏)‏ بفتح اللام ‏(‏أقدر عليك منك عليه‏)‏ أي أتم وأبلغ من قدرتك على عبدك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ لله مبتدأ وأقدر خبره، وعليك صلة أقدر ومنك متعلق أفعل، وقوله‏:‏ عليه لا يجوز أن يتعلق بقوله أقدر لأنه أخذ ماله ولا بمصدر مقدر عند قوله منك أي من قدرتك كما ذهب إليه المظهر لأن المعنى يأباه بل هو حال من الكاف أي أقدر منك حال كونك قادراً عليه كذا في المرقاة ‏(‏قال أبو مسعود‏:‏ فما ضربت مملوكاً لي بعد ذلك‏)‏ ولفظ مسلم هكذا‏:‏ كنت ضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً احلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله‏:‏ هو حر لوجه الله، فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وتقدم لفظه آنفا‏.‏

1298- باب مَا جَاءَ في أَدَبِ الْخَادِم

1955- حَدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ، حدثنا عَبْدُ الله بن المبارك عن سُفْيَانَ عن أَبي هَارُونَ العَبْدِيّ عن أَبي سَعِيدٍ الخدري قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَذَكَرَ الله فارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وأَبُو هَارونَ العَبْدِيّ اسْمُهُ عُمَارَةُ بنُ جُوَيْنٍ‏.‏ قالَ‏:‏ قالَ ابو بكر العطار‏:‏ قالَ علي بن المديني قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏:‏ ضَعّفَ شُعْبَةُ أَبَا هَارُونَ العَبْدِيّ‏.‏ قالَ يَحْيَى‏:‏ ومَا زَالَ ابنُ عَوْنٍ يَرْوِي عن أَبي هُرَيْرَةَ حتى ماتَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد‏)‏ بن موسى المروزي ‏(‏حدثنا عبد الله‏)‏ أي ابن المبارك ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن أبي هارون العبدي‏)‏ اسمه عمارة بن جوين بضم الجيم مصغراً مشهور بكنيته متروك ومنهم من كذبه شيعي كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله‏)‏ أي استغاث به واستشفع باسمه تعالى ‏(‏فارفعوا أيديكم‏)‏ أي امنعوها عن ضربه تعظمًا لذكره تعالى‏.‏ قال الطيبي هذا إذا كان الضرب لتأديبه، وأما إذا كان حداً فلا، وكذا إذا استغاث مكراً انتهى‏.‏ والحديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان لكن عنده فليمسك بدل فارفعوا أيديكم كذا في المشكاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى بن سعيد‏)‏ القطان ‏(‏ضعف شعبة أبا هارون العبدي‏)‏ قال الذهبي في الميزان في ترجمته‏:‏ تابعي لين بمرة كذبه حماد بن زيد، وقال شعبة‏:‏ لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عن أبي هارون‏.‏ وقال أحمد‏:‏ ليس بشيء وقال ابن معين‏:‏ لا يصدق في حديثه‏.‏ وقال النسائي‏:‏ متروك الحديث‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ يتلون خارجي وشيعي فيعتبر بما روى عنه الثوري‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ يروى عن أبي سعيد ما ليس من حديثه، وقال الجوزجاني‏:‏ أبو هارون كذاب مفتر ‏(‏قال يحيى‏)‏ وهو ابن سعيد القطان‏.‏

1299- باب ما جاءَ في الْعَفْوِ عن الْخَادِم

1956- حَدّثنا قُتَيْبَةُ حدثنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عن أَبي هَانِئ الْخَوْلاَنِيّ عن عَبّاسِ بنِ جُلَيْدٍ الْحَجْرِيّ عن عَبْدِ الله بنِ عُمَر قالَ‏:‏ ‏"‏جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ‏:‏ يا رسولَ الله كَمْ أَعْفُو عن الْخَادِمِ‏؟‏ فَصَمتَ عَنْهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم قالَ‏:‏ يا رسولَ الله كَمْ أَعْفُو عن الْخَادِمِ‏؟‏ قالَ‏:‏ كُلّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرّةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَرَوَاهُ عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ عن أَبي هَانِئ الْخَوْلاَنِيّ نَحْواً من هذا والعباس هو ابنُ خليدٍ الحجري المصري‏.‏

1957- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ، عن أَبي هَانِئ الْخَوْلاَنِيّ بهذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هذا الحَديِثَ عن عَبْدِ الله بن وَهْبٍ بهذَا الإِسْنَادِ، وقالَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هانئ الخولاني‏)‏ اسمه حميد بن هانئ المصري لابأس به وهو أكبر شيخ لابن وهب، قاله الحافظ ‏(‏عن عباس بن جليد‏)‏ بضم جيم مصغراً ‏(‏الحجري‏)‏ بفتح المهملة وسكون الجيم مصري ثقة من الرابعة ‏(‏عن عبد الله بن عمر‏)‏ بلا واو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصمت عنه النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي سكت ولم يجبه ولعل السكوت لانتظار الوحي، وقيل لكراهة السؤال، فإن العفو مندوب إليه مطلقاً دائماً لا حاجة فيه إلى تعيين عدد مخصوص والله تعالى أعلم ‏(‏قال‏:‏ كل يوم سبعين مرة‏)‏ أي أعف عنه كل يوم سبعين عفوة، فنصب سبعين على المصدر، والمراد به الكثرة دون التحديد، كذا قيل والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏ قال القاري‏:‏ قال ميرك‏:‏ وفي بعض النسخ يعني نسخ الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏ ورواه أبو يعلى بإسناد جيد، كذا ذكره المنذري انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد وقال عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أي بالواو، وروى أبو داود في سننه حديث الباب من طريق أحمد بن سعيد الهمداني عن ابن وهب عن أبي هانئ الخولاني عن العباس بن جليد الحجري عن عبد الله بن عمر قال المنذري‏:‏ هكذا وقع في سماعنا وفي غيره عن عبد الله بن عمر وأخرجه الترمذي كذلك‏.‏ وقال حسن غريب‏.‏ قال‏:‏ وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد‏.‏ وقال عن عبد الله بن عمرو، وذكر بعضهم أن أبا داود أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو العباس بن جليد بضم الجيم وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبعدها دال مهملة مصري ثقة ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين، وذكر أنه يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الحارث بن جزء‏.‏ وذكر ابن أبي حاتم أنه يروي عن ابن عمر، وذكر الأمير أبو نصر أنه يروي عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن جزء‏.‏ وأخرج البخاري هذا في تاريخه من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن حديث عباس بن جليد عن ابن عمر وقال‏:‏ وهو حديث فيه نظرة انتهى كلام المنذري‏.‏

1300- باب ما جاءَ في أَدَبِ الوَلَد

1958- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا يَحْيَى بنُ يَعْلَى، عن نَاصِحٍ عن سِمَاكٍ بن حربٍ عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لأَنْ يُؤَدّبَ الرجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدّقَ بِصَاعٍ‏.‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ ونَاصِحُ هو أبو العَلاَءِ الكُوفِيّ لَيْسَ عِنْدَ أَهلِ الْحَدِيثِ بالقَوِيّ ولا يُعْرَفُ هذا الْحَدِيثُ إِلاّ مِنْ هذَا الوَجْهِ، وَنَاصِحٌ شَيْخٌ آخَرٌ بَصْرِيٌ يَرْوِي عن عَمّارِ بنِ أَبي عَمّارٍ وَغَيْرِهِ وهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هذَا‏.‏

1959- حدّثنا نَصْرُ بنُ عَليّ الجهضمي، حدثنا عَامِرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ الْخَزّازُ، حدثنا أَيّوبُ بنُ مُوسَى عن أَبِيه عن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏ما نَحَلَ والدٌ وَلَداً مِنْ نُحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بنِ أَبِي عَامِرٍ الْخَزّازِ وهو عامر بن صالح بن رستم الخزاز وأَيّوبُ بنُ مُوسَى‏:‏ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بنِ سَعِيدِ ابنِ العاصي وهذَا عِنْدِي حَدِيثٌ مرسَلٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن يعلى‏)‏ الأسلمي الكوفي القطراني، قال الحافظ‏:‏ شيعي ضعيف ‏(‏عن ناصح‏)‏ هو ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن التميمي المحلمي بالمهملة وتشديد اللام أبو عبد الله الحائك صاحب سِمَاك بن حرب ضعيف من كبار السابعة كذا في التقريب‏.‏ وزعم الترمذي بأن ناصحاً هذا هو ابن العلاء الكوفي وهو وهم منه كما ستقف عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع‏)‏ أي والله تأديب الرجل ولده تأديباً واحداً خير له من تصدقه بصاع، وإنما قلنا تأديباً واحداً ليلائم قوله خير من أن يتصدق بصاع، وإنما يكون خيراً له لأن الأول واقع في محله لا محالة بخلاف الثاني فإنه تحت الاحتمال، أو لأن الأول إفادة علمية حالية والثاني عملية مالية، أو لأن أثر الثاني سريع الفناء ونتيجة الأول طويلة البقاء، أو لأن الرجل بترك الأول قد يعاقب وبترك الثاني لم يعاتب، ذكره القاري‏.‏

وقال المناوي‏:‏ لأنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وهو حديث ضعيف لأن ناصحاً الراوي عن سِمَاك ليس بقوي ‏(‏وناصح بن علاء الكوفي ليس عند أهل الحديث بالوقى الخ‏)‏ كذا قال الترمذي إن ناصحاً هذا هو ابن العلاء الكوفي وهذا وهم من الترمذي، فإن ناصحاً هذا هو ابن عبد الله الكوفي‏.‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ ناصح بن عبد الله الكوفي المحلمي الحائك عن سِمَاك بن حرب ويحيى بن أبي كثير ضعفه النسائي وغيره وقال البخاري‏:‏ منكر الحديث، وقال الفلاس‏:‏ متروك، وقال ابن معين‏:‏ ليس بشيء، وقال مرة‏:‏ ليس بثقه‏.‏ قال الذهبي‏:‏ وكان من العابدين ذكره الحسن بن صالح فقال‏:‏ رجل صالح نعم الرجل، ثم ذكر الذهبي حديث جابر بن سمرة المذكور في الباب وذكر إسناده هكذا‏:‏ يحيى بن يعلى الأسلمي عن ناصح بن عبد الله عن سِمَاك عن جابر بن سمرة مرفوعاً‏:‏ لأن يؤدب الرجل ولده الخ‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة ناصح بن عبد الله المحلمي المذكور ما لفظه‏:‏ روى له الترمذي حديثه عن سِمَاك عن جابر لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع‏.‏ وقال‏:‏ ناصح هو ابن العلاء الكوفي ليس بالقوي عند أهل الحديث، وناصح شيخ آخر بصري هو أثبت من هذا‏.‏ قال المزي‏:‏ هكذا قال الترمذي وهو وهم، وإنما ابن العلاء هو البصري لا الكوفي وسنذكره‏.‏ قلت‏:‏ وقال أبو عبد الله الحاكم‏:‏ ناصح بن العلاء هو البصري ثقة، وإنما المطعون عليه ناصح بن عبد الله المحلمي فإنه روى عن سِمَاك بن حرب المناكير‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ أبو أحمد ناصح بن عبد الله ذاهب الحديث‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ ضعيف‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ تفرد بالمناكير عن المشاهير، انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عامر بن أبي عامر الخزاز‏)‏ بمعجمات قال الذهبي في الميزان عامر بن أبي عامر صالح بن رستم الخزاز عن يونس بن عبيدة وغيره‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ ليس بالقوي‏.‏ وقال ابن عدي‏:‏ في حديثه بعض النكرة، ثم ذكر الذهبي حديثه المذكور في الباب‏.‏ وقال الحافظ في التقريب‏:‏ صدوق سيء الحفظ أفرط فيه ابن حبان فقال يضع انتهى ‏(‏حدثنا أيوب بن موسى‏)‏ بن عمرو بن سعيد بن العاص أبو موسى المكي الأموي ثقة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي موسى بن عمرو، قال في التقريب‏:‏ مستور، وقال الخزرجي‏:‏ وثقه ابن حبان ‏(‏عن جده‏)‏ يحتمل أن يعود الضمير على أيوب، ويحتمل أن يعود على موسى، وسيأتي تفصيله في آخر الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما نحل‏)‏ أي ما أعطى والد ولداً ‏(‏من نحل‏)‏ بضم النون ويفتح أي عطية أو إعطاء ففي النهاية‏:‏ النحل العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق، يقال‏:‏ نحله ينحله نحلا بالضم، والنحلة بالكسر العطية ‏(‏أفضل من أدب حسن‏)‏ أي من تعليمه ذلك ومن تأديبه بنحو توبيخ وتهديد وضرب على فعل الحسن وتجنب القبيح، فإن حسن الأدب يرفع العبد المملوك إلى رتبة الملوك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان ‏(‏وهذا عندي حسن مرسل‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص بعد نقل كلام الترمذي هذا الضمير في جده يعود على موسى، فالحديث عن رواية سعيد وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن له رؤية‏.‏ وأما عمرو وهو الأشدق فلا صحبة له بل ولم يولد إلا في زمان عثمان، والحديث على كل حال مرسل‏.‏ وقال في ترجمة سعيد بن العاصي‏:‏ قال ابن سعد‏:‏ قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولسعيد تسع سنين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وقال فيها أيضاً‏:‏ يحتمل أن يكون ضمير الجد على أيوب وهذا ظاهر، ويحتمل أن يعود على موسى فيكون الحديث من مسند سعيد بن العاص، فيستفاد منه أن الترمذي أخرج لسعيد أيضاً وهو مع ذلك مرسل إذ لم يثبت سماع سعيد انتهى‏.‏

1301- باب ما جَاءَ في قَبُولِ الهدِيّةِ والمكافأَةِ عَلَيْهَا

بقال في القاموس‏:‏ كافأه مكافأة جازاه، وقال في الصراح‏:‏ مكافأة باذاش دادن

1960- حَدّثنا يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ و عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ قالا‏:‏ حدثنا عيسَى بنُ يُونسَ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيه عن عَائِشَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْبَلُ الهَدِيّةَ ويُثيبُ عَلَيْهَا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وأَنَسٍ وابنِ عُمَر وجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هذَا الوَجْهِ، لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَديثِ عِيسَى بنِ يُونسَ عن هشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن أكثم بفتح الهمزة وبالمثلثة‏)‏ ابن محمد بن قطن التميمي المرزي أبو محمد القاضي فقيه صدوق إلا أنه رمي بسرقة الحديث ولم يقع ذلك له وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والواجادة، روى عنه الترمذي والبخاري في غير صحيحه وعلي بن خشرم وهو من أقرانه وغيرهم، وكان قد غلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعاً، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك إلا شيئاً بعد مطالعته ‏(‏حدثنا عيسى بن يونس‏)‏ بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي نزل الشام مرابطاً ثقة مأمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يقبل الهدية ويثيب عليها‏)‏ من أثاب يثيب أي يعطي الذي يهدي له بدلها، والمراد بالثواب المجازاة وأقله ما يساوي قيمة الهدية‏.‏ واستدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب الثواب على الهدية إذا أطلق الواهب وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى، ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم ومن حيث المعنى أن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدى فلا أقل أن يعوض بنظير هديته، وبه قال الشافعي في القديم، وقال في الجديد كالحنفية‏:‏ الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع بثمن مجهول، ولأن موضوع الهبة التبرع، فلو أبطلناه لكان في معنى المعاوضة‏.‏

وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة، فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة، وأجاب المالكية بأن الهبة لو لم تقتضي الثواب أصلاً لكانت بمعنى الصدفة وليس كذلك، فإن الأغلب من حال الذي يهدي أنه يطلب الثواب ولا سيما إذا كان فقيراً، كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عمر وجابر‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي بلفظ‏:‏ أن أعرابياً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة فعوضه منها ست بكرات الحديث‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال‏:‏ قال المهاجرون يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوماً أحسن بذلا لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة، قال‏:‏ أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى، قال‏:‏ فذاك بذاك‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما، كذا قال المنذري في الترغيب، وذكر لفظه وفيه‏:‏ ومن أتي إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه نموه وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي في باب المتشبع بما لم يعطه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري في الهبة وأبو داود في البيوع‏.‏

1302- باب ما جاءَ في الشّكْرِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْك

1961- حَدّثنا أحمدُ بنُ محمدٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، حدثنا الرّبِيَعُ بنُ مُسْلِم، حدثنا محمدُ بنُ زِيادٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ لاَ يَشْكُرِ النّاسَ لاَ يَشْكُرِ الله‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1962- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن ابنِ أَبِي لَيْلَى، وحدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرحمنِ الرّوَاسِيّ عن ابنِ أَبي لَيْلَى عن عَطِيّةَ عن أَبِي سَعِيدٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ لم يَشْكُرِ النّاسَ لَمْ يَشكُرِ الله‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ والأَشعَثِ بنِ قَيْسٍ والنّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الربيع بن مسلم‏)‏ الجمحي أبو بكر البصري ثقة من السابعة ‏(‏عن محمد بن زياد‏)‏ الجمحي مولاهم المدني نزيل البصرة ثقة ثبت ربما أرسل من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من لا يشكر الناس لا يشكر الله‏)‏ قال القاضي‏:‏ وهذا إما لأن شكره تعالى إنما يتم بمطاوعته وامتثال أمره وأن مما أمر به شكر الناس الذين هم وسائط في إيصال نعم الله إليه، فمن لم يطاوعه فيه لم يكن مؤدياً شكر نعمه، أو لأن من أخل بشكر من أسدى نعمة من الناس مع ما يرى من حرصه على حب الثناء والشكر على النعماء وتأذيه بالإعراض والكفران كان أولى بأن يتهاون في شكر من يستوي عنده الشكر والكفران انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه‏:‏ روي هذا الحديث برفع الله وبرفع الناس وروي أيضاً بنصبهما وبرفع الله ونصب الناس وعكسه أربع روايات انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي ليلى‏)‏ اسمه محمد بن عبد الرحمن، بن أبي ليلى، روى عن عطية بن سعد العوفي الجدلي ‏(‏عن عطية‏)‏ بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي الكوفي صدوق يخطئ كثيراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من لم يشكر الناس الخ‏)‏ قال الخطابي‏:‏ هذا يتأول على وجهين أحدهما أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له، والوجه الاَخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالاَخر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة والأشعت بن قيس والنعمان بن بشير‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب، فلعله أشار إلى حديث آخر له وأما حديث الأشعث بن قيس فأخرجه أحمد عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن أشكر الناس لله تبارك وتعالى أشكرهم للناس، وفي رواية‏:‏ لا يشكر الله من لا يشكر الناس‏.‏ قال المنذري‏:‏ ورواته ثقات‏.‏ قال‏:‏ ورواه الطبراني من حديث أسامة بن زيد بنحو الأولى‏.‏ وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه عبد الله ابن أحمد في زوائده عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، الحديث‏.‏ قال المنذري‏:‏ بإسناد لابأس به، قال‏:‏ ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف باختصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والضياء‏.‏

1303- باب ما جاءَ في صَنَائِعِ المَعْرُوف

قال في القاموس‏:‏ الصنيع الإحسان كالصنيعة والجمع الصنائع‏.‏

1963- حَدّثنا عَبّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيّ، حدثنا النّضْرُ بنُ محمدٍ الجُرَشِيّ اليَمامِيّ، حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ، حدثنا أَبُو زُمَيْلٍ عن مالِكِ بنِ مَرْثَدِ عن أَبيِه عن أَبِي ذَرّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَبَسّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْروفِ ونهيُكَ عن المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وإِرْشَادُكَ الرّجُلَ في أَرْضِ الضّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ، وبَصَرُكَ لِلرّجُلِ الرّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ والشّوْكَ والعَظْمَ عن الطّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ في دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وجَابِرٍ وحُذَيْفَةَ وعَائِشَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وأَبُو زُمَيْلٍ اسمه سِمَاكُ بنُ الوَلِيدِ الْحَنَفِيّ والنضر ابن محمد هو الجرشي البمامي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مالك بن مرثد‏)‏ بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة ابن عبد الله الزماني ثقة من الثالثة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي مرثد وهو مقبول الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تبسمك في وجه أخيك‏)‏ في الدين ‏(‏لك صدقة‏)‏ يعني إظهارك البشاشة والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة ‏(‏وأمر بالمعروف‏)‏ أي بما عرفه الشرع بالحسن ‏(‏ونهيك عن المنكر‏)‏ أي ما أنكره وقبحه ‏(‏صدقة‏)‏ كذلك ‏(‏وإرشادك الرجل في أرض الضلال‏)‏ أضيفت إلى الضلال كأنها خلقت له وهي التي لا علامة فيها للطريق فيضل فيها الرجل ‏(‏لك صدقة‏)‏ بالمعنى المقرر ‏(‏وبصرك للرجل الرديء البصر‏)‏ بالهمز ويدغم أي الذي لا يبصر أصلاً أو يبصر قليلاً، والبصر محركة حس العين كذا في القاموس‏.‏ والمعنى إذا أبصرت رجلاً رديء البصر فإعانتك إياه صدقة لك وفي المشكاة نصرك بالنون‏.‏ قال القاري‏:‏ وضع النصر موضع القياد مبالغة في الإعانة كأنه ينصره على كل شيء يؤذيه ‏(‏وإماطتك‏)‏ أي إزالتك ‏(‏الحجر والشوك والعظم‏)‏ أي ونحوها ‏(‏عن الطريق‏)‏ أي المسلوك أو المتوقع السلوك ‏(‏وإفراغك‏)‏ أي صبك ‏(‏من دلوك‏)‏ بفتح فسكون واحد الدلاء التي يستىق بها ‏(‏في دلو أخيك‏)‏ في الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وحذيفة وعائشة وأبي هريرة‏)‏ أما حديث ابن مسعود فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث جابر وحذيفة فأخرجه الشيخان عنهما قالا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كل معروف صدقة‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه‏.‏

1304- باب مَا جاءَ في المِنْحَة

قال في القاموس‏:‏ منحه كمنعه وضربه أعطاه، والاسم المنحة بالكسر ومنحه الناقة جعل له وبرها ولبنها وولدها، وهي المنحة والمنيحة انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ المنيحة بالنون والمهملة وزن عظيمة هي في الأصل العطية‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ المنيحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له، والاَخر أن يعطيه ناقة أوشاء ينففح بحلبها ووبرها زمناً ثم يردها‏.‏ وقال القزاز‏:‏ قيل لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة والأول أعرف انتهى‏.‏

1964- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا إِبراهيمُ بنُ يُوسُفَ بن أَبِي إِسحاقَ، عن أَبيِه عن أَبِي إِسحاقَ، عن طَلْحَةَ بنِ مُصَرّفٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الرحمنِ بنَ عَوْسَجَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بنَ عَازِبٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقَاً كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ رَقَبَةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسحاقَ عن طَلْحَةَ ابنِ مُصَرّفٍ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وقد رَوَى مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ وَشُعْبَةُ عن طَلْحَةَ ابنِ مُصَرّفٍ هذا الْحَديثَ‏.‏

وفي البابِ عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ‏.‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ‏"‏مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ‏"‏ إنّما يَعْني به قَرْضىَ الدّراهِمِ‏.‏ قوله‏:‏‏:‏ ‏"‏أَوْ هَدَى زُقَاقاً‏"‏ قالَ‏:‏ إِنّمَا يَعْنيِ بِه هِدَايَةَ الطّرِيقِ وَهُوَ إِرْشَادُ السّبِيلِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق‏)‏ قال في التقريب‏:‏ إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي صدوق يهم من السابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق وقد ينسب لجده ثقة من السابعة ‏(‏سمعت عبد الرحمن بن عوسجة‏)‏ الهمداني الكوفي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من منح أي أعطى ‏(‏منيحة لبن أو ورق‏)‏ بكسر الراء وسكونها أي فضة‏.‏ قال الجزري في النهاية منحة الورق القرض، ومنحة اللبن أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زماناً ثم يردها، ومنه الحديث المنحة مردودة انتهى ‏(‏أو هدى زقاقاً‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الزقاق بالضم الطريق، يريد من دل الضال أو الأعمى على طريقه، وقيل أراد من تصدق بزقاق من النخل وهي السكة منها والأول أشبه لأن هدى من الهداية لا من الهدية‏.‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وقع في حديث النعمان بن بشير الذي أشار إليه الترمذي‏:‏ أهدى زقاقاً من الإهداء فالمراد بالزقاق في هذا الحديث هو السكة من النخل وبالإهداء التصدق ‏(‏كان له‏)‏ أي ثبت له ‏(‏مثل عتق رقبة‏)‏ أي كان ما ذكر له مثل عتاق رقبة، ووجه الشبه نفع الخلق والإحسان إليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن النعمان بن بشير‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده عنه مرفوعاً‏:‏ من منح منيحة ورقاً أو ذهباً أو سقى لبناً أو أهدى زقاقاً فهو كعدل رقبة‏.‏

1305- باب ما جاءَ في إِماطَةِ الأَذَى عن الطرِيق

أي إزالة ما يؤذي الناس عن الطريق‏.‏

1965- حَدّثنا قُتَيْبَةُ عن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عن سُمَيٍ عن أَبِي صاَلِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في الطّرِيقِ إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخّرَهُ فَشَكَرَ الله لَهُ فَغَفَرَ لَهُ‏"‏‏.‏

وفي الباب عن أبي بَرْزَةَ وابن عَبّاسٍ وَأَبي ذَرّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخره‏)‏ بتشديد الخاء المعجمة بعدها راء أي عزل عن الطريق ‏(‏فشكر الله له‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ في أسماء الله تعالى الشكور هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء فشكره لعباده مغفرته لهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي برزة‏)‏ أخرجه مسلم وابن ماجة ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ‏(‏وأبي ذر‏)‏ أخرجه مسلم وابن ماجة‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب في باب إماطة الأذى من كتاب الأدب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في أبواب المظالم والقصاص ومسلم في كتاب البر والصلة والاَداب‏.‏

1306- باب ما جاءَ أَنّ المَجَالِس أَمَانَة

هذا لفظ حديث أخرجه الخطيب في تاريخه عن علي مرفوعاً كما في الجامع الصغير، وروى أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله مرفوعاً‏:‏ للجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس‏:‏ سفك دم حرام، أو فرح حرام، أو اقتطاع مال بغير حق، وهو حديث ضعيف‏.‏ والباء في قوله‏:‏ المجالس بالإمانة تتعلق بمحذوف والتقدير تحسن المجالس أو حسن المجالس وشرفها بأمانة حاضريها على ما يقع فيها من قول وفعل، فكأن المعنى ليكن صاحب المجلس أميناً لما يسمعه أو يراه‏.‏

1966- حَدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ عن ابنِ أَبِي ذِئْبٍ قال‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرحمنِ بنُ عَطَاءٍ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ جَابِرِ بنِ عَتيكٍ عن جاَبِرِ بن عَبْدِ الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا حَدّثَ الرّجُلُ الْحَدِيثَ ثم الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وإِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابنِ أَبي ذِئبٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عبد الرحمن بن عطاء‏)‏ القرشي مولاهم أبو محمد المديني ويقال له ابن أبي لبيب صدوق فيه لين من السادسة ‏(‏عن عبد الملك بن جابر بن عتيك‏)‏ الأنصاري المدني ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا حدث الرجل‏)‏ أي عند أحد ‏(‏الحديث‏)‏ أي الذي يريد إخفاءه ‏(‏ثم التفت‏)‏ أي يميناً وشمالاً أحتياطاً ‏(‏فهي‏)‏ أي ذلك الحديث، وأنت باعتبار خبره، وقيل لأن الحديث بمعنى الحكاية، وقيل أي الكلمة التي حدث بها ‏(‏أمانة‏)‏ أي عند من حدثه أي حكمه حكم الأمانة فيجب عليه كتمه‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره، فكان الالتفات قائماً مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ في إسناده عبد الرحمن بن عطاء المدني‏.‏ قال البخاري‏:‏ عنده مناكير، وقال أبو حاتم الرازي شيخ قيل له أدخله البخاري في كتاب الضعفاء قال يحول من ههنا‏.‏ وقال الموصلي‏:‏ عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر لا يصح انتهى‏.‏